فی كل عام، ومع اقتراب موسم الحج إلى بیت الله الحرام، تعلو الأصوات المطالبة بفصل الحج عن السیاسیة، وعدم استخدام السعودیة لهذه الشعیرة فی إطار مشاریعها السیاسیّة، سلباً كان الأمر أم إیجاباً.
السعودیّة، وكعادتها ترفض هذه الاتهامات، تماماً كما ترفض فشلها فی إدارة شؤون الحج والحفاظ على سلامة الحجاج، إلا أن تهافت الدعوات الحقوقیّة فی كل عام، فضلاً عن البیانات الدولیة (الصادرة عن الدول المعترضة على طریقة إدارة السعودیّة لأكبر شعیرة إسلامیّة) تؤكد وجود خلل جذری فی طریقة التعاطی (التسییس) وأسلوب الإدارة (ما یتعلّق بسلامة الحجاج آخرها ما حصل فی منى قبل عامین)، لكن الإجابة السعودیة دائماً كانت: " المملكة ستبقى الوحیدة المختصة بتنظیم الحج، دون أی تدخلات خارجیة إلى أن یرث الله الأرض ومن علیها"!
دعوات حقوقیّة
الدعوة هذا العام جاءت من قبل منظمة أصدقاء الإنسان الدولیة الحقوقیة الدولیة التی تتخذ من فیینا مقرّاً لها حیث دعت المنظمة السعودیّة إلى عدم تسییس الحج والعبادات فی ظل إجراءاتها تجاه القطریین "بما یؤثر بشكل مباشر على حریة أدائهم لشعائرهم الدینیة"، فی حین استنكرت منظمة أخرى "تلاعب" السعودیة بفریضة الحج.
لم تكتفِ المنظمة بذلك، بل دعت الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة العاجلة للتواصل مع السعودیة ودعوتها إلى وقف إساءة استخدام المناسك لأغراض سیاسیة، و"رفع القیود التعسفیة المفروضة على المواطنین القطریین بما یعیق حقهم وحریتهم فی ممارسة الشعائر الدینیة الأساسیة بشكل واضح وقاس".
كلام المنظمة الغربیة یتقاطع مع تقریر سابق صدر عن المنظمة العربیة لحقوق الإنسان التی تتخذ من لندن مقرّاً لها، حیث استنكرت ما سمته تلاعب السلطات السعودیة بحریة ممارسة الشعائر الدینیة وتوظیفها لفریضة الحج لتحقیق أجندات سیاسیة، مشیرةً إلى أن بحوزتها معلومات مؤكدة توضح أن وزارة الحج السعودیة رفضت التواصل مع وزارة الأوقاف القطریة لاستلام قائمة الحجاج لهذا العام وإتمام الإجراءات الخاصة بتیسیر مناسكهم وتوفیر ضمانات لسلامتهم.
تقریر لصحیفة "لوموند" الفرنسیة أشار مؤخراً إلى أن السعودیة استخدمت حصص الحجاج وورقة المساعدات المالیة للضغط على دول أفریقیة ذات أغلبیة مسلمة كی تقف إلى جانبها ضد قطر.
فی السیاق، یقول الدكتور مصطفى اللباد، رئیس مركز الشرق للدراسات الإقلیمیة والاستراتیجیة: إن توظیف ملف الحجاج وحصص الحجیج سیاسیاً كان - منذ تأسیس المملكة - وما یزال أداة تستخدمها الریاض كجزء من قوتها الناعمة، وهذا أمر طبیعی أن تلجأ لهذه الأداة من أجل فرض هیمنتها فی المنطقة، سواء فی مواجهة إیران أو فی مواجهة قطر.
بین التسییس والفشل
یكاد لا یخلو عام من اتهام السعودیّة إما بتسییس الحج قبل موسمه، أو بالتقصیر بإدارة شؤون الحج وتأمین سلامة الحجاج بعد انتهاء الموسم، ما یؤكد وجود أزمة حقیقیة تحاول السعودیّة تجاهلها أو نفیها على أقل تقدیر.
انطلاقاً من الأزمة الجدیدة، ومع مراجعة الأسلوب السعودی فی إدارة ملف الحج، تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: قد یعتقد البعض أن مسألة تسییس الحج تقتصر على الجانب السلبی، إلا أن هذه الرؤیة تعدّ ناقصة، بل یعدّ الجانب الإیجابی (زیادة حصّة الحج لدولة ما لأسباب سیاسیّة) أحد أبرز جوانب المسألة. هذا الأمر یعنی تأثر حصّة الحج لدول أخرى فی ظل إبقاء السعودیّة على عدد معیّن من الحجاج. وأما الجانب الآخر هو اقتناص السعودیة العدد الإضافی لغایات سیاسیّة، على سبیل المثال، کشفت وکالة "خاما برس" الأفغانیة، العام الماضی، إن الشباب الأفغانی یتم تجنیدهم فی السعودیة للمشاركة فی الاعتداء المستمر ضد الشعب الیمنی منذ حوالی سنتین. وقد ادلی عدد من أفراد عائلات الشبان الأفغان اللذین أصبحوا مصیدة لسیاسات السعودیة بشهاداتهم فی هذا الموضوع وأعترفوا بفقدان هولاء الشباب بعد زیارتهم لموسم الحج فی المملکة العربیة السعودیة.
ثانیاً: وبالعودة إلى مسألة قطر، تدّعی السعودیّة أن العوائق تتعلّق بالجانب القطری فی حین أنّها اتخذت منذ بدء الحصار على قطر مطلع یونیو/حزیران الماضی مجموعة من الإجراءات تعیق سفر القطریین الراغبین بأداء الحج والعمرة.
ثالثاً: ما حصل مع قطر لیس بالأمر الجدید، بل تكرّر سابقاً مع ایران، وقبلها مع سوریا والیمن، فضلاً عن دول أخرى. بعد كارثة منى ورافعة الحرم المكّی، وكذلك باركة الملك سلمان لولی العهد حینها، المقام جبرایّاً حالیاً، الأمیر محمد بن نایف، رفضت السعودیّة فی إطار مفاوضاتها مع ایران أن تضمن أمن الحجاج الإیرانیین السعودیة التی أكّدت أن الأزمة الخلیجیة لن تؤثر على الحجاج القطریین، اشترطت أن یكون العبور إلى السعودیة لهؤلاء الأشخاص عبر الجو فقط، وتحدید منفذین للدخول، فضلا عن اشتراط الموافقة المسبقة على خطوط الطیران التی یمكن للمعتمر أو الحاج الوصول من خلالها، إضافةً إلى تقیید مسلمی قطر المقیمین خارجها العودة لبلادهم مرة أخرى، والانطلاق من الدوحة إلى الدیار المقدسة عبر محطات ترانزیت، حیث لا یمكن السفر المباشر من الدوحة إلى السعودیة، الأمر الذی یدحض تصریح وزیر خارجیة السعودیة عادل الجبیر بأن بلاده "ترحب بأی زائر لبیت الله الحرام. هذا الأمر لیس بجدید، فقد أكّدت السعودیة بعد إغلاقها لسفارتها فی طهران على لسان وزیر خارجیتها أن ذلك لن یؤثر على استقبال الحجاج الإیرانیین مبرزةً ترحیبها بهم، إلا أن التحرك السعودی على الأرض كان مخالفًا للتصریحات المسالمة، فالسعودیة رفضت فی البدایة منح تأشیرات للحجاج الإیرانیین من خلال السفارة السویسریة التی ترعى المصالح السعودیة فی إیران أو من أی سفارة عربیة فی طهران، وأصرت على أن یكون المنح من دولة ثالثة.
تشیر هذه النقاط إلى أن الریاض تستغل أماكن الشعائر فی السعودیة لحاجات سیاسیة وفی النزاعات بین الدول، بخلاف میثاق الأمم المتحدة والعهد الدول الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیّة، وكذلك المیثاق العربی لحقوق الانسان التی ترفض استخدام حقوق أساسیة نصت علیها القوانین الدولیة من أجل تحقیق أجندات سیاسیة.
اذاً، یتسم التعاطی السعودی بمزاجیّة واضحة فی التعاطی مع مسألة الحجاج، وذلك فی إطار الضغط على الحكومات والدول التی تربطها علاقات مع السعودیّة، مقابل رفع حصّة الحجاج للعدید من الدول التی تربطها علاقات جیّدة مع الریاض، لكنها تتلطى تحت مواقف سیاسیّة فارغة یعاكسها التعاطی السعودی على أرض الواقع، فإلى متى إدارة الحج حكراً على السعودیّة؟ وهل ستضمن السلطات السعودیة أمن الحجاج هذا العام؟ ومتى ستفصل هذه الشعیرة الإسلامیّة عن التسییس؟
LINK: https://www.ansarpress.com/english/7827
TAGS: